الطعام والكلام
حفريات بلاغية ثقافية في التراث العربي
الطعام والكلام: حفريات بلاغية ثقافية في التراث العربي
تُقرأ الكتب ذات القيمة لفائدتها، وإذا ضمت إلى الفائدة الإمتاع فتلك غاية قصوى للحظوة بمأدبتها أو مآدبها … وكتاب “الطعام والكلام: حفريات بلاغية ثقافية في التراث العربي” للدكتور سعيد العوادي، من هذا الصنف الجامعة مادبه بين واسع الفائدة وروقان المتعة، باستقصائه المستفيض من وفير الكلام عن الطعام مأكوله ومشروبه في التراث العربي، سواء من جهة إضفاءات اللغة على الطعام أسماء ووسوما وصفات وتكنيات.. أو من جهة ما قيل أو دوّن عن الطعام مختصا به أو مستعارا منه، لإنفاذ رأي وإرسال وجهة نظر.. أو من جهة ما روي أو كتب عن سلوكات وأقوال من كانت علاقتهم بالطعام في حالات البذل أو التقتير أو الشره متخذة نمط حياة خارج المعتاد لدى العموم، ولا تخلو أحيانا من طرافة أو عجب واستغراب.. فمدارات هذه الجهات على العلاقة بين الطعام والكلام، وهي علاقة تراسلات وتطعيمات واسعة شاسعة، لما لمقوم الطعام من ضرورة الحياة، ولما لفعل الكلام من ارتباط حميم بكل مجالاتها
وأن يهتم الكلام في مجال البلاغة ورحاب الثقافة كل ذلك الاهتمام الواسع بالطعام، فلأن الطعام هو الدم الساري في شرايين الحياة والأساس المادي لشرط قيامها. وأن يرتقي الكلام في مقامات البلاغة بالخطاب عن الطعام مجردا منه صورا ومعاني تعبر عن أحوال وأهداف واختيارات، فذلك إن دل على أساسية الطعام وضرورته في الحياة، فإنه من وجه ملازم يدل على أن الإنسان لا يحيا بالطعام وحده، إذ مجرى الحياة ومعناها مستدعيان لشبكة تقاطعات مادية ورمزية بها يتحرك المجرى وينبني المعنى، وفي مستقطب تلك الشبكة ما اصطلح عليه آداب الطعام وهي ترتيبات وسلوكات وأقوال تنتظم في مستغرقها حالات تؤشر عليها توصيفات الكريم والبخيل والمتطفل وما بينهما، وقد وقف الباحث على أمثلة دالة من تلك الحالات، وما صدر عنها أو ارتبط بها من أقوال ومواقف في سياقات اجتماعية وثقافية مختلفة، كان الكلام الدليل البليغ عليها.
أ.د. محمد زهير
أكاديمي – كاتب وناقد