الطعام أفقاً للقراءة

 الطعام أفقاً للقراءة

 أعمال مهداة إلى البلاغي د.سعيد العوادي

 

  • المحرران: مصطفى رجوان وعادل المجداوي
  • الناشر: دار كنوز المعرفة، عمان، 2025


نسّق الكتاب الباحثان المتميزان رجوان والمجدايوي في 664 صفحة، وقد أهدياه إلى البلاغي د.سعيد العوادي، وتضمن 25 مقالة محكمة. قسم الكتاب إلى أربعة أبواب، وهي على التوالي: وصفات نظرية، تذوقات بلاغية ثقافية، قراءات في الطعام والكلام، وطعام الآخرين.
جرت العادة أن يُنظر إلى الطعام نظرة بيولوجية فقط، أي على أنه حاجة ضرورية تدخل في متطلبات إدامة الوجود الإنساني. والحق أن الطعام يتجاوز هذا البعد الحيوي، ليصبح واقعة خطابية قابلة للقراءة والتأويل، فالتفضيلات الغذائية التي يُظهرها الأفراد مع بعضهم البعض لا تحصر الطعام في حدود ملء البطن ومجابهة الجوع، وإنما تجعل منه شكلاً من أشكال التعبير الهوياتي، وأحياناً شكلاً من أشكال المقاومة أو الانتماء لفئة اجتماعية معينة.
ولربما نلمس في هذا السياق نوعاً من التجاوب الصوتي والتقاطع الدلالي بين (الطبق) بوصفه أداة مطبخية، و(الطبقة) بوصفها تمييزاً اجتماعياً. وعلى هذا الأساس، أُثِر عن خبير التذوّق الفرنسي بريّا سَفران: (قل لي ماذا تأكل أقلْ لك من أنت). وقبله قال كسرى لهَوْذَة بن علي شاعرُ بني حنيفة وخطيبُها، لما وقف على ذكائه ورجاحة ذهنه: (ما غذاؤك في بلدك؟ قال: الخبز، فقال كسرى: هذا عقل الخبز لا عقلُ اللبن والتمر)، حيث ميّز كسرى بين (عقل الخبز) الحضري و(عقل اللبن والتمر) البدوي في تمثّله للعرب، مُعلياً من العقل الأول بوصفه عقلاً (ثقافياً) بالمعنى الأنثربولوجي، على اعتبار الخبز صناعةً تُحوّل الحبوب إلى منتوج آخر، ومهمِّشاً للعقل الثاني، بوصفه عقلاً (طبيعياً) ساذَجاً تبقى فيه الأشياء (اللبن والتمر) على جِبِلَّتها الأولى.
وكما أن الطعام جزء من الممارسات اليومية، فهو عنصر تُبنى به الخطابات المتنوعة: الشعرية والروائية والسينمائية والسياسية والإشهارية، مما يجعل منه عنصراً عابراً للمجالات الحياتية، وهو ما يقتضي من الباحثين، على اختلاف تخصصاتهم، مدّ الأيادي من أجل التعاون في فهم رمزياته وتجسيراته. وأعتقد أن هذا الكتاب الجماعي (الطعام أفقاً للقراءة) أفقٌ واعدٌ في تشريح تعقيدات الظاهرة الطعامية. ويحق لنا أن نفخر بهذا التعاون العلمي المثمر الذي سيسدّ فراغاً كبيراً في مكتبتنا العربية.
وفي إحدى المقالات المترجمة للكاتبة ليزي آرثر بعنوان (الطعام والتواصل)، وترجمة محمد جعفري بوصفها تفضي هذه المراجعة الأدبية إلى موضوعين أساسين، أولهما رأي ينظر إلى الطعام على أنه طريقة محورية نقدم بها أنفسنا إلى الآخرين، وثانيهما وهو أكثر توجهاً سياسياً، يرى أن الخطاب العام حول الغذاء تسيطر عليه مصالح ذات سلطة داخل مجتمعنا (عادة الشركات)، وقد أدى ذلك إلى الترويج لأغذية غير صحية، وتحريف للطرق الغذائية التقليدية وسوء استعمالها، وكل ذلك على حساب الفئة الأقل تمكيناً في المجتمع. إن الدراسة الأكاديمية للتواصل تهتم بفهم الطرق التي يتقاسم بها الناس الرموز اللفظية وغير اللفظية، ومعاني الرموز المشتركة، ومحصلات التشارك. وعلى نطاق واسع، تنظر الدراسات التواصلية للطعام إلى كيفية إنشاء المعنى والغاية من إنشائه، حيث ينشئ منتجو الرسائل (عادة، ولكن ليس على سبيل الحصر، الشركات) رسائل حول الطعام (الإشهار والإعلانات التجارية والأفلام) التي تتداولها الجماهير في الثقافة وتأولها للفهم. يستكشف هذا الفصل المقاربات النظرية والمنهجية التي استخدمها علماء التواصل للتحقيق وشرح كيفية استخدام الناس للطعام لخلق المعنى وتقاسمه، ثم يطرح بعض الأفكار حول الأبحاث المستقبلية وطرق البدء في هذا المجال.

 

 

آخر المنشورات من هذا القسم

Scroll to Top