الأستاذ الدكتور سعيد العوادي

نائب العميد في البحث العلمي والتعاون – أستاذ البلاغة وتحليل الخطاب بكلية اللغة العربية بجامعة القاضي عياض- المغرب

البريد الإلكتروني

Balaghat.1976@gmail.com

إصدار جديد يبحث تداخل الطعام والكلام

إصدار جديد يبحث تداخل الطعام والكلام

إصدار جديد يبحث تداخل الطعام والكلام

صدر عن دار إفريقيا الشرق بالدار البيضاء كتاب “الطعام والكلام: حفريات بلاغية ثقافية في التراث العربي” (2023) للدكتور سعيد العوادي، ويُعتبر الكتاب دراسة بلاغية وثقافية لاشتغال الطعام والكلام في التراث العربي.

وقال الأستاذ عبد الفتاح شهيد في حديثه عن الإصدار الجديد: “إذا كان الطعام هو الذي يضخ ماء الحياة في شرايين الإنسان، فإن الكلام هو الذي يضفي على وجوده الطبيعي بعدَه الإنساني المتفاعل”، مشيرا إلى عبارة ذكرها الأكاديمي محمد زوهير في تقديم الكتاب، مفادها أن “الإنسان لا يحيا بالطعام وحده”.

وأشار شهيد إلى أن “هذا التراسل بين الطعام والكلام شكل أفقا مهما من أهم الآفاق التي يراهن عليها الباحث ليجعل له قدما راسخة في موضوع بحثه، وقد جاء الكتاب بعد تجربة بحثية متميزة وطويلة، فيما يمكن أن نسميَه البلاغة الصلبة، أو تلك البلاغة التي تؤسس للدرس البلاغي في الثقافة العربية وتعين الطلبة والباحثين على تلمس طريقهم في آفاقه المترامية”.

وسجّل المتحدث أن “سعيد العوادي انتقل من كتاب [حركية البديع في الخطاب الشعري: من التحسين إلى التكوين] وكتاب [أسئلة البديع: عودة إلى النصوص البلاغية الأولى]، اللذين أسس بهما لنفسه موقعا متميزا في البحث البلاغي العربي، إلى كتاب [بلاغة الصورة: نحو قراءة حجاجية لعلم البيان] وكتاب [في بلاغة النص الأدبي]، اللذين اتخذا منحى بيداغوجيا شكل جزءا مهما من مشروع الباحث وهويته البحثية”.

وأضاف سعيد أنه “على هذا الأساس الصلب، يتأسس الأفق الجديد الذي يسائل سجلات الكلام في علاقتها برمزيات الطعام، وأشكال التعالق بينهما على المستوى البلاغي الذي يستضمر أبعادا ثقافية مغرقة في الرمزية والعمق والخطورة كذلك، ذلك لأن [الطعام ليس مادة قصاراها أن تهضم، ولكنها مادة تسعى إلى أن تتكلّم، كما لا ينحصر دورها في بناء الذات، وإنما يمتد إلى بناء الحياة]، بتعبير الكاتب”.

وأكد عبد الفتاح شهيد أن “الباحث اتخذ من التراث الطعامي العربي مجالا خصبا لتجريب فرضياته في هذا التراسل المشوق بين الطعام اللذيذ والكلام البليغ، أو بين خطاب الطعام وبلاغة الكلام، مستدعيا آلياته التحليلية من حقل البلاغة العربية الرحبة في عمقها الجاحظيِّ والجرجانيِّ، منفتحا على الدراسات السيكولوجية والأنثروبولوجية والسوسيولوجية واللسانيات المعرفية والدراسات الثقافية في بعدها التطبيقي والرمزي، الذي يتطلع من خلاله إلى قراءة ثقافية حضارية، يتحاور فيها التعبير مع التفكير والأنساق مع السياقات، وتفتح فيها أبواب النصوص ونوافذها على مسرح الحياة الاجتماعية والثقافية”.

وقال المتحدث: “لقد زاد في جمالية الكتاب وعمقه أنه مكتوب بمنظور يجعل الكتابة عملية [طبخ] متكاملة، يلبس الكاتب خلالها لباس الطاهي، ويقدم للقارئ الذي يحظى بضيافته وجبة طعامية مطبوخة على نار هادئة؛ في أربعة أطباق/فصول، تتقدمها مُفتّحة/مقدمة، وتعقبها تحلية/خاتمة”.

وأوضح شهيد أنه “بعد تصدير أنيق بطعم الوفاء للدكتور محمد زوهير، تأتي [المفتّحة] لتقدم آفاق التداخل بين الطعام والكلام على المستويات اللغوية والحضارية والثقافية، وهذا النفاذ الفعال لنكهات الطعام إلى ثنايا الكلام عند العرب كما عند غيرهم، ولتحدد الاستراتيجيات البلاغية والثقافية التي ستُعَدّ من خلالها أطباق هذه المأدبة العلمية”.

وأشار الأستاذ ذاته إلى أن “الطبق الأول قُدِّم ببعد معجمي مُؤَثّل لحقل الطعام: من ضيافة الدنيا إلى ضيافة الآخرة، حيث تعلق الإنسان بالطعام في الحياة والثقافة، وارتباطهما كذلك في القرآن والحديث من أكثر من وجه، في مقارنة بديعة بين الطعام الدنيوي والطعام الأخروي، فيما قُدّم الطبق الثاني لمَدِّ [جسور الطعام] بين الطعام البلاغي والطعام البليغ، برصد آثار الطعام في النظرية البلاغية وكشف القناع عن مرجعية الطعام في المنظومة النسقية للبلاغة والنقد تنظيرا وممارسة، حيث يغذو الطعام أداة للتعبير عن عقل الأمة وحكمتها”.

أما في الطبق الثالث المعنون بـ”شعرية الطعام: القرى المأكول والمشروب”، أفاد شهيد بأن الكاتب يقتفي فيه “تفاعل الطعام مع المكونات الشعرية الأخرى: الشاعر الكريم، الزوجة العاذلة، الكلب النابح، الناقة المنحورة، الليل، القرّ، الخمرة…”، إضافة إلى الطبق الرابع الموسوم بـ”نثرية الطعام: الموهوب، والمنهوب، والمرهوب”، حيث يتتبع تشكلات الطعام داخل نصوص الأخبار والخطب والرسائل والمناظرات والمقامات من خلال الثالوث الطعامي: الكريم، الطفيلي، البخيل… في النثر الفني والنثر الإرشادي والنثر العلمي، وكتب الطفيليين والبخلاء.

وختم الكتاب بما وصفها عبد الفتاح شهيد بـ”تحلية”، استخلص فيها “أهم نتائج هذا السفر الشاق في معمعان الطعام والكلام، والآفاق التي يفتحها البحث في موضوع تطفو على السطح طرافته وتتحرك في العمق أهميته وخطورته”.

يشار إلى أن “الكاتب يراهن طيلة فقرات هذا الكتاب على جعل البلاغة آلية لتفكيك جينالوجيا خطاب الطعام في الكلام والفكر والثقافة، ليبرهن من جديد على أن الدرس البلاغي العربي قادر على مواكبة مستجدات البحث العلمي المعاصر في الإنسانيات الذي أضحى يتجه إلى الإنسان في بعده البيولوجي والتواصلي والأخلاقي”.

وختم عبد الفتاح شهيد حديثه عن الكتاب بالتأكيد على أن “الكاتب يراهن على إعادة التفكير في الثقافة العربية من منظور نسقي يجعلها منارة يهتدى بها في النظر إلى الذات والآخر والمستقبل، وهما الرهانان اللذان نجح فيهما الكاتب بتقديم وجبة شهية ولذيذة إلى قارئ أضحى متعلقا بهويته الثقافية أكثر من أي وقت مضى؛ وجبة تحمل عنوان [الطعام والكلام: حفريات بلاغية ثقافية في التراث العربي]”.

رابط المقال

آخر المنشورات من هذا القسم

Scroll to Top